نام پژوهشگر: فاطمه پسندیان
فاطمه پسندیان محمود آبدانان مهدیزاده
المدح: إنَّ المَدحَ فَنُّ الثناءِ و الاکبارِ و الاحتِرامِ، قَامَ بینَ فُنُونِ الأدب ِالعرَبیِّ مَقام َالسِّجلِ الشِّعریِ لِجَوانِبٍ مِن حَیاتِنا التَّاریخیَّهِ، اذ رَسَمَ نَواحیَ عَدیدَهَ مِن أعمَالِ المُلوکِ و سیاسَهِ الوُزَراءِ و شُجاعَهِ القُوَّاد و ثِقَافَهِ العُلَماءِ، فَأوضَحُ بذلکَ بَعضُ الخَفایا وَ کشفُ عَن بَعضِ الزَّوایا و لایَقتَصِرُ إقدامُ الشَّاعِرِ عَلی مَدحِ الرَّجُلِ أو قَومِ رغبهً فِی المَالِ، بَل قَدیَمدَحُ خَوفاً أو یَمدَحُ لِسَببٍ سیاسیٍ و قَدیَمدحُ لِسبب ٍدینیٍ و رُبَّما مَدَحَ لاعجابهِ بالمَمدوحِ فقط، دونَ أن یَطمحَ مِن َوراءِ مَدحِهِ إلی مَالٍ أو جُزاءً و هَکذا تَنوَّعَ المَدیحُ و تَنَوَّعَت دواعِیهِ . وَالمَدحُ النَّبَوی مَوضوعٌ مِن مَوضُوعات ِالأدب الدِّینیِ و هُوَ ذلک الشِّعرُ الَّذی یُنصَبُ عَلیَ مَدحِ النَّبیِ «ص» بتعداد صِفاتِ الخَلقیّهِ و الخُلقیّهِ و ذکرِ فَضائِلِهِ، مَناقبهِ و صِفاتِه ِالمُثلی مَعَ ذکرِ مُعجزاتِهِ و نَظمِ سیرَتِهِ شعراً و الاشادَهِ بغروَاتِه ِو الصَّلاهِ علیهِ تَقدیراً و تَعظیماً. تطوُّر المدیحِ النبوی: ظَهَرَ المَدیحُ النَّبوی فِی المَشرِق ِالعَرَبیِّ مَعَ مَولِد الرَّسُولِ «ص» و أذیعَ بَعدَ ذلکَ مَعَ انطلاقِ الدَّعوَهِ الاسلامیَّهِ مَعَ شُعراءِ الرَّسُولِ کَحَسَّانِ بنِ ثابتِ، کَعب ِبنِ مالکِ و کعب بنِ-زُهیرِ، صاحب اللاَّمیهِ المَشهورهِ الَّتِی سُمَّیت بالبُردَهِ.فِی العَصرِ الامَوی مَع استیلاءِ الامَویِّینَ عَلیَ البلاد، قَد ثارَتِ العَصَبیَّهُ القَومِیَّهُ و تَعَدَّدَت الأحزَابُ السِّیاسیهُ الَّذی تَنازَعَ فیهِ المُتَخَاصمونَ حَولَ الخلافَهِ.لکن هَذهِ التَّنازُعاتِ السیاسیهِ لَم تَمنَع أن یُسَجِّل بَعضُ الشُّعراءِ عواطفَهُم الدِّینیّهِ و مَحبَّتهُم الخالِصَهِ لِرسولِ اللهِ و أهَمُّ ما یُطالِعُنا فِی المَدیحِ النَّبَوی فِی أثناءِ هَذا العصرِ، هُوَ هاشمیاتِ الکُمیتِ بنِ زید-الأسدی الّتی انتَصَر فیها لِحَقِّ الهاشمیینَ فِی الخلافهِ. مَعَ ضَعفِ الدُّولهِ الأمَویَّهِ أفادَ العبَّاسیُّونَ مِن الثُّوراتِ المتواصلهِ علیهم، فَوصَلوا إلی السُّلطَهِ فِی الدُّولَهِ العَرَبیَّهِ الإسلامیَّهِ.و مِن أهَمِّ شُعراءِ المدیحِ النَّبوی فِی هذا العصرِ؛مَهیار الدیلمی، الشریف الرضی و أبو العلاء المعری الذین سارَ عَلی غرارِهم کثیرٌ مِنَ الشَّعراءِ. لَمَّا صارَت الخلافهُ العباسیَّهُ مُنکسهُ الأعلامِ، ضَعَفَت قُواها و سُلطانُها.فما لَبثَ أن هَجَمَ المُغولُ عَلیَ البقاعِ الإسلامیَّهِ و استولَوا عَلی بَغدادَ.فِی هذا العصرِ أفتَنَ الشُّعراءِ فِی أنواعِ البدیعِ و التَّصنُّعِ.و لهذا اُصیبَ الشِّعرُ بوباءِ التَّنمیقِ اللَّفظِی و مِمَّا شَاعَ فِی هذا العصرِ، المَدائحُ النبویهُ الَّتی انتشَرَت بَینَ الأدباءِ و العُلماءِ الَّذینَ یَتنافَسُونَ فِی نظمِها.و المَدیحُ النَّبَوی قَد اتَّسَعَ و اتَّضحَت مَعالمُهُ فِی هَذا العَصرِ و أضحَت أصولُه، فَشَغَلَت المَدائحُ النَّبویَّهِ قَدراً کَبیراً مِن دَواوینَ الشُّعراءِ، ثُمَّ استَقَلَت بدواوینَ خاصَّهً بها و مِن أشهَرُ شَعراءِ هَذا العَصرِ «البوصیری» الَّذی نَظَمَ بُردتَهُ الشَّهیرهِ فِی مَدحِ الرَّسولِ «ص». و العصرُ الحَدیثِ لَم یخَل مِن شُعراءٍ امتَدَحُوا النَّبیَ.محمود سامی البارودی، أحمد شوقی و حافظ إبراهیم مِنَ الشُّعراءِ الَّذینَ بَرَعُوا فِی المَدیحِ النَّبوی و مِن أحسَنِ قَصائد أحمد شوقی فِی مَدحِ الرَّسولِ «ص»، قصیدتُه المیمیهُ «نهج البرده» الَّتی عارَضَ فیها قَصیدهَ «البُردهَ» لِلبوصیری. البُرده: وَرَدَ فِی المَعَاجِمِ اللُّغَویَّهِ أنَّ «البُردَهَ» کساءٌ مُخَطَّطٌ یَلتَحفُ بهِ.بَل هِی قِطعهٌ طَویلهٌ مِن القُماش الصُّوفِی السَّمیکِ الَّذی یَستعمَلُها النَّاسُ لِسترِ أجسامِهِم أثناءَ النَّهارِ کَما تَتَّخِذُ غطاءً فِی أثناءِ اللَّیلِ و کانت البُردهُ مَعروفَهُ عِندَ البَدوِ و مِن أشهَرُها بُرُودُ الیَمَنِ. و فِی الإصطلاحِ الأدبی یُطلَقُ هَذا الإسمُ عَلی قَصیدهِ «بانت سعاد» کعب بن زهیر، «برده» البوصیری و «نهج البرده» أحمد-شوقی الَّتِی أنشَدَها الشَّاعِرُ فِی مُعارِضَهِ «بُردهِ» البوصیری. کعب بن زهیر: یُعَد کعبُ بن زهیر بن أبی سُلمی واحِداً مِن فُحُولِ الشُّعراءِ المُخَضرمینَ.نَشَأَ فِی غَطفانَ قَومَ اُمِّه «کبشهَ».و کانَ الشِّعُر یَکتنفَهُ مِن کُلِّ جانبٍ.لَقَد اَشَارَ الجُمهورُ إلی حَظِّ هَذه الأسرَهِ مِن الشِّعر حَتَّی اجمَعُوا بأنَّ الشَّعرَ لَم یَتَّصِل فِی وُلد أَحَداً مِن الفُحُولِ الجَاهِلیَّهِ، مَا اتّصَلَ فی وُلد زُهیرَ.فِی هذهِ البیئَهِ الطَّافِحَهِ بالإلهامِ تَرعرَعَ کعبٌ، فَسَمَعَ شعر طِفلاً و رَواهُ ناشئاًَ و قَالَه یَافِعاً.و قَد عُنِیَ بهِ زُهیرُ عِنایَتاً خَاصَّهً لِمَا لَمَسَ عِندَهُ مِن المَواهِب، فَیُهَذِّب ذَوقَهُ و یُرَوِّیهِ شعرَهُ و لَم یَدعهُ أن یَنظمَ الشِّعرَ حَتَّی استحکَمَت فیهِ مَلَکتُه. سبب إنشاد قصیده بانت سعاد: کانَ زُهیر بن أبی سُلمی قَد رَأی فِی آخرِ حَیاتِهِ و هُوَ نائِمٌ أنَّ سَبباً مِن السَّماءِ مُدَّ لَهُ و کانَ کُلَّما حاولَ الامسَاکَ بهِ قُبضَ عنه.فَلمَّا أصبحَ رَوِیَ هذه الرُویا لإبنیهِ کعب و بُجَیر.ثُمَّ فَسَّرها بأنَّهُ سَیُظهرَ نَبیٌ داعیهٌ لِدینٍ جدیدٍ و طَلَبَ مِن ولدیهِ إتِّباعَه.فَلمَّا ظَهَرَ الإسلامُ جاءَ بُجیرُ إلی رَسولِ اللهِ و أعلَنَ إسلامَه و تأخَّر کعبُ عَن ذلکَ ولکنَّ حینَما سَمِعَ بأنَّ رسولَ اللهِ أهدَرَ دمَه، ضَاقَت علیهِ الأرضُ و أشفَقَ علی نَفسهِ، فاستَقرَّت عَزیمتُهُ عَلی أن یَستَجِیرَ بعفوِ النَّبیِ مِن غَضب النَّبیِّ عَلیهِ الصَّلاهِ و السَّلامِ.و أنشَدَ قصیدتَه و جاءَ بها النَبیَّ تائِباً نادماً و قد أعجَبَ رسولُ اللهِ بهذهِ القصیدهِ و بخاصَّهً عندَما وَصَلَ إلی قَولِهِ: إنَّ الرَّسولَ لَسَیفٌ یُستَضَاءُ بهِ مُهَنَّدٌ مِن سُیوفِ اللهِ مَسلُولُ و قَد سَرَّ النَّبیُ بأن یَکونَ بجانِبهِ شاعرٌ مُجیدٌ و قَد کانَ مِن کَرَمِ رَسولِ اللهِ و تقدیرِه لِکعب أن وَهَبَه بُردتَهُ فَسُمِّیَت هذهِ القصیدهِ فِی ما بَعدَ «بالبُرده»ِ. الصُوَر البلاغیه فی قصیده «بانت سُعاد»: فِی البدایهِ نَدرُسُ هیکلِ قَصیدهِ «بانَت سُعاد» بشکلِ عامٍ، قَبلَ دراسهِ اسلوبهِ بما فِیها مِن الألفاظِ و تراکیب و صُورِ بلاغیهِ.إنَّ هذهِ القصیدهِ مِنَ البحرِ البَسیطِ و المعروفُ بأنَّ هذا البحرُ أحدَ أبحرَ ثلاثهِ کَثُرَ تردیدها عَلی ألسنهِ الشُّعراءِ فِی مُختلفِ العُصورِ و هِی الطویلُ و البَسیطُ و الکاملُ و اختارَ الشَّاعرُ رَویِّ لامِ المَکسُورهَ و لَم تَکُن لِلشَّاعِرِ وَحدهَ نَسجٍ فِی اختیارِ هیکلِ القَصیدهِ لأنَّ الشَّاعرَ أنشَدَها فِی مَدحِ النبیِ و الإعتذارِ إلیهِ و سارَ فیها عَلَی الطَّریقَهِ الجاهلیَهِ القَدیمَهِ و مِن ناحیهِ البیانِ نَری بأنَّ الصُّوَرَ البیانیَّهَ ظاهرَهٌُ فِی القصیدهِ و هِی کانَت مَلیئهٌ بالإستعارهِ و التَّشبیهِ و ما یَتَعَلَّقُ بهِ مِن أنواعِهِ الکَثیرَهِ. التشبیه: و َمَا سُعادُ غَدَاهَ البَینِ ِإذ رَحَلوا إلّا أغُنٌ غَضِیضُ الطَّرفِ مَکحُولُ شَبَّهَ الشَّاعِرُ فِی هذا البیتِ صُورهَ سُعادَ لَحظهَ رَحیلِها بصُورَهِ غَزالٍ فِی صَوتِها غُنَّهٌ و فِی عَینَیها فُتُورٌ و حَیاءٌ و الإکتِحَالُ.الشاعرُ لَم یَتَوسَّل فِی هذا التَّشبیه، شکلَهُ التَّقلیدی و إنَّما أوحَی بهِ مِن المُقارِنَهِ بینَ الحبیبهِ و الغَزالِ، کَما أنَّهُ غَالَی بهِ و قَد أکَّدَ هذا التَّشبیهَ عَن طریقِ القَصرِ و التَّوکید بأداهِ «إلاّ» و ابن هشام یَرَی بأنَّ فِی هذا البیتِ تشبیهٌ مَقلوبٌ؛ أصلُه «و مَا کَسُعادٍ فِی هَذا البیتِ إلاّ ظَبیٌ أغُنٌ غَضِیضُ الطَّرفِ» یَمشُونَ مَشیَ الجِمَالِ الزُّهرِ یَعصِمُهُم ضَربٌ إذا عَرَّد السُّودُ التَّنَابیلُ الشَّاعرُ عَلی استمرارِه فِی مدحِ المُهاجرینَ، یُشبهَهُم فِی هذا البیتِ بالجمالِ الزهرِ و التَّشبیه هنا بلیغٌ، فَوجهُ-الشَّبهِ التَّقَدُّمِ و النَّشاطِ و السُّرعَهِ فِی اندفاعِهِم فِی سَاحَهِ المَعرکهِ. الإستعاره: إنَّ الرَّسولَ لَسَیفٌ یُستَضَاءُ بهِ مُهَنَّدٌ مِن سُیوفِ اللهِ مَسلُولُ الشاعرُ فِی عبارتِ «سیوف الله» شَبَّهَ أنبیاءَ اللهِ و المُدافِعینَ عن رِسالَهِ السَّماءِ بالسُّیوفِ المَصنُوعَهِ مِن حَدید الهِند والمُتمیِّز بجُودَتِهِ و فیه الإستعارهُ المصرَّحهُ لأنَّ الشَّاعرَ استعارَ اسمَ المُشبَّهِ به لِلمُشبَّهِ.و الشَّاعرُ فِی کلمهِ «یُستضاء» شَبَّهَ الرَّسولَ بالمصباحِ الَّذی یُهتدَی بهِ فِی الظَّلامِ و فِیهِ الاستعارهُ التَبعیَّهُ، لأنَّهُ بَعدَ هذا التَّشبیهِ استعارَ الهدایَهَ لِلإضَاءَهِ. الآنَ نَنتقِلُ إلی اللَّونِ الآخرِ مِنَ البلاغَهِ و هُو البدیعُ و المَعروفُ بأنَّ غَرضَ البدیعِ هُوَ تَحسینُ الکلامِ و تَجمیلِهِ.مِن أنواعِ البدیعِ السَّجعِ و الجناس و المُقابلَهِ و الطِّباقِ و غَیرِها مِن الألوانِ التَّجمِیلیَّهِ الأخرَی.فِی قصیدهِ «بانت سُعاد» مَعَ قِلَّهِ المُحَسَّناتِ البدیعیَّهِ نَرَی بأنَّ بَعضَ الأبیاتِ قَد اشتَمَلَ عَلی أنواعِ البدیعِ و مِن أمثِلَتِها: ضَخمٌ مُقَلَّدُها فَعمٌ مُقَیَّدُهَا فِی خَلقِهَا عَن بَنَاتِ الفَحلِ تَفضِیلُ الشَّطرُ الأوَّلُ مِن هذا البیتِ قَد اشتَمَلَ عَلَی أنواعِ البدیعِ.أحدُهُما الجناسُ المُضارعُ بَینَ «مُقلَّد و مُقیَّد» لِتَخَالُفِ الکلمتینِ فِی «اللاّم و الیاء» لإعطَاء الجَرَس المُوسیقَی و ثانیها التَّسجِیع و هُوَ اتِّفُاقُ الفَقرَتینِ فِی الحَرفِ الخَاتَمِ، ثالثُها التَّرصیعُ و هُوَ تَوازی کلماتِ السَّجعِ. البوصیری: هُو الإمامُ شَرَفُ الدِّینِ الصنهاجی البوصیری مِن أشهَرِ شُعراءِ القَرنِ السَّابعَ الهجریِّ.بَدأ حَیاتِهِ الدِّراسیَّهِ کَما یَبدُوهَا مُعاصرُوهُ و ذلکَ بحفظِ القُرآنِ الکریمِ و دراسهِ عُلومِ اللُّغهِ و تَعلیمِ أساسیاتِ الدِّینِ و التَّاریخِ الإسلامیِ و بخَاصهً السِّیرهَ النبویَّهَ.ثُمَّ اتَّجَهَ نَحوَ التَّصوُّفِ و قَد تَلقَّی عَلی یَد أبی العبَّاس المِرسی، الطریقهَ الصُّوفیهَ.فَدَرسَ آدابهَا و أسرارَها.کانَ البُوصیریُّ یُجیدُ فَنَّ الخَطِّ و زَاوَلَ مِهنَهِ کِتابهَ الألواحِ الَّتی تُوضَع شَواهِدَ عَلی القُبورِ.قَرأ البوصیریُ المُولِّفاتِ الَّتی وَضَعَها النَّصارَی و الیَهودُ تَأییداً لأدیانِهِم و قَد رَأی فِیها إنکاراً لِلنبوَّهِ و قَد شَغَلَه ذلکَ فَأقبَلَ عَلی دراسهِ الإنجیلِ و التَّوراتِ دراسهً دَقیقهً.فکانَ البوصیریُّ فقیهاً و کاتباً و شاعِراً ذاعَت شُهرتُهُ بَعدَ قَصیدتِهِ الَّتی صَاغَهَا فِی مدحِ خَیرِ البریَّهِ و اشتَهَرَ بهَا. سبب انشاد قصیده «بُرده»: نَظَمَ البوصیریُّ بُردتَهُ مَدحاً فِی رَسولِ اللهِ حینَ اُصیبَ بالفالِجِ و استَشفَعَ بها إلی النَّبیِ و إلَی اللهِ أن یُعافِیهِ .ثُمَّ نام فَرأیَ النبیُ «ص» یَمسَحُ عَلَی وَجهِهِ بیَدهِ المُبارَکهِ و ألقَی علیهِ بُردتَهُ الشَّریفَهَ، فَانتَبَهَ مِن مَنامِهِ و رَأی بأنَّهُ قَد بَریءَ مِن عِلَّتِهِ و سُمِّیَت هَذه القَصیدهُ بالبُردهِ تَشبیهاً لها ببُردهِ کعب بن زهیر الَّتی نَظَمَها مَدحاً فِی رَسولِ الکریمِ مُستَشفِعاً بها عندَه. الصُّور البلاغیه فی قصیده «بُرده»: إنَّ البوصیریَّ فِی اُسلوب قَصیدتِهِ «البُرده» کانَ یَجمَعُ الشُّروطِ الَّتی یَشتَرِطُها العربُ فِی جَمالِ اللَّفظِ و انسجامِ الأسلوب و قَد جاءَت لغُتُه مِن حَیثِ الألفاظِ و التَّراکیب و المُفرداتِ ذاتِ طابعٍ دینیٍ و لِهذا تَمتَازُ قصیدتُهُ بحُسن اختیارِ الألفاظِ و ترکیبها الَّذی یَنسَجِمُ مَعَ المَعنی العامِ لِتحقیقِ سلامَهِ اللَّفظِ و العنایهِ الدَّقیقهِ و المُلائِمَهِ بینَ الألفاظِ و المَعانی. و عندما نَقِف عِندَ وزنِ القَصیدهِ و قافیَتِها نَری بأنَّ الشَّاعرَ قَد اختارَ وَزنَ البسیطَ التَّامَ المَخبُونَ و قَد اختارَ رَویَّ المیمَ المَکسُورهَ و قَد سَاعَده الوزنُ و الرَویُّ عَلَی إطالَه نفسه فِی القَصیده المَذکوره. قَد استَخدَمَ البُوصیریُ بعضَ المُصطلحاتِ و الأفکارِ و الألفاظِ القرآنیهِ فِی قَصیدَتِهِ و هذا الأمرُ تَتَّضِح مَعرفهَ البُوصیری بالقرآنِ الکریمِ و السُّنهِ النبَویَّهِ المُطهَّرَهِ.و مِن أمثِلَتِهِ: مُحَکَّمَاتٌ فَمَا تُبقِینَ مِن شُبَهِ لِذی شقَاقٍ و مَا تَبغِینَ مِن حَکَمِ فِی هذا البیتِ اشارهٌ إلی کَلامِ اللهِ فِی سُورهِ آلِ-عمرانَ:«هُوَ الَّذی أنزَلَ عَلیکَ الکِتابَ مِنهُ آیاتٌ مُحکَمَاتٌ هُنَّ أمُّ الکِتاب وَ اُخَرُ مُتَشَابهَاتٌ» و مِن سمَاتِ البارز لِلقَصیدهِ هِی تَوفِیرِ الأسالیب البلاغیَّهِ و الصُّوَرِ البَیانیَّهِ.و فِی البیانِ الشَّاعرُ لَم یَقتَصِر عَلَی التَّشابیهِ الَّتی وجهُ الشَّبهِ فیها مُنتزعاً مِن واحدٍ و إنَّما نَجِدُ فِی قَصیدَتهِِ التَّشبیهاتِ الَّتی وَجهُ شَبهٍ فیها ُمنتزعٌ مِن مُتعدِّد و فیها التَّمثیلِ.فَمِن ذلک قَولُه: وَ النَّفسُ کالطِّفلِ إن تُهمِلهُ شَبَّ علی حُبِّ الرضاع ِوَ إن تَفطِمهُ یَنفَطِم الشَّاعرُ فِی هذا البیتِ شَبَّه النَّفسَ بالطِّفلِ فِی عَدمِ الملَلِ و السَّآمَهِ بالإستمرارِ عَلَی المَألوفاتِ، فَکَما أنَّ الطفلَ إن تَرَکتَهُ عَلی مَا ألَّفَهُ مِنَ الرِّضاعِ دامَ عَلَی حُبِّهِ، و إن مَنَعتَهُ عَنهُ امتَنَعَ، کذلک النَّفسُ؛ إن تَرَکتَها عَلی مَا ألَّفَتهُ مِنَ المَعاصی دامَت عَلَی حُبِّهِ و إن مَنَعتَهَا عنه امتَنَعَت. قَد یُضافُ إلی هَذه الصُّورِ البیانیَّهِ وُجود الإستعاراتِ المُختلفَهِ کَما فِی قَولِهِ: فَمَا تَطَاوُلُ آمَالِ المَدیحِ إلَی مَا فِیهِ مِن کَرَمِ الأخلاقِ و الشِّیَمِ فِی شَطرِ الأوَّلِ مِن هذا البیتِ قَد شُبِّهَ الآمالُ بذی عُنُقٍ یَتَطاوَلُ تَشبیهاً مُضمِراً فِی النَّفس و طُوِی لفظُ المُشبَّهٌ بهِ و رُمِزَ إلیه بشیءٍ مِن لوازمِهِ و هُو التَّطاوُلُ.فَفِی کلامِهِ الإستعارهُ بالکنایهِ و التَّخییلِ. هذهِ شَواهِدٌ مِن الصُّوَرِ البیانیَّهِ، لکن الصُّوَرَ البدیعیَّهَ کانت أهَمُّ و أشمَلُ مِن سابقَتِها، و نَحنُ فِی عصرِ البَدیعِ و الشَّاعِرُ الَّذی لا یَجمَعَ فِی شعرِه المُبتَکِرَ مِنَ الصُّوَرِ البدیعیَّهِ ، یَعُد مُتِخَلِّفاً عَن أقرانِه ِالشُّعراءِ و لهذا نَحنُ لاحَظنَا مِن خِلالِ دراسَتِنا لِهذه القَصیدَهِ کثرهَ الطِّباقَ و المُقابلَهَ و الجِناسَ و التَّصدیرَ أو ردَّ العَجز إلی الصَّدرِ و غیَرهُمَا مِن الفُنونِ البلاغِیَّهِ و مِن أمثِلَهِ ذلک: أمِن تَذکُّرِ جِیرانٍ بذی سَلَمِ مَزَجتَ دَمعَاً جَرَی مِن مُقلَهٍ بدَمِ فِی هَذا البیتِ قَد استَفَادَ الشَّاعِرُ مِن صنعَهِ التَّجرید، لأنَّهُ جَرَّدَ مِن نَفسهِ شَخصاً مَزَجَ دَمعَهُ الجَارِیَّ مِن مُقلَتِهِ بالدَّمِ و خَاطَبَهُ بَذلک مُستَفهِمَاً عَن سَبب مَزجِ الدَّمعِ الجارِیِّ مِن المُقلَهِ بالدَّمِ.فِی هذا البَیتِ أیضاً الجناسُ النَّاقِصُ «المُطَرَّفُ» بَینَ کلماتِ «الدَّمع و الدَّم»، فَإنَّهُما مُختلِفَانِ بزیادَهِ العَین و نُقصَانِهَا. لَولَا الهَوَی لَم تُرِق دَمعَاً عَلَی طَلَلٍ وَ لا أَرِقتَ لِذکرِ البانِ وَ العَلَمِ فی هذا البیت جناس شبه الاشتقاق حیث جمع الشاعر فیه بین «تُرق و أرقَت». أحمد شوقی: وُلِدَ أحمدُ شَوقی فِی القَاهِرَهَ مِن أسرَهٍ اختَلَطَ فِیها الدَّمُ العَرَبیِّ بدماءٍ أخرَی.دَخَلَ شَوقیُ و هُوَ فِی الرَّاِبعِهِ مِن عُمرِه کُتَّاب «الشَّیخِ صِالِحَ» الَّذی کانَت تَعتَمِدُ فیه عَلی التَّلقِینِ و الحِفظِ.ثُمَّ إنتَقَلَ إلی مَدرِسَهِ «المُبتَدیانِ» الإبتِدَائیَّهِ و بَعدَها إلَی «التَّجهیزیَّهِ» حَیثُ تَفَوَّقَ فیها تَفَوُّقَاً مُنقَطِعُ-النَّظیرِ.و أثناءِ هَذهِ الدِّراسَهِ، حَضَّرَ نَفسَهُ لِدراسَهِ الحُقُوقِ و لکن بسَبب حاجَتِهِ المَاسَّهِ إلَی المَالِ تَرَکَ هَذهِ الدِّراسَهَ و التَحَقَ بقِسمِ التَّرجُمَهِ و لَم یَکَد یَنِل إجاَزهَ مَدرسهِ التَّرجُمَهِ حَتَّی دَعَاه الخَدیویُّ تَوفیقِ و وَعَدَهُ بالحَاقِهِ بالعَمَلِ فِی القَصرِ و بَعدَ مِمَّا شَاهَدَ مِن ذَکاءِ هَذا الشَّابَ و تَفَوُّقِهِ، أرسَلَهُ إلَی فَرنسا لَیَدرُسَ الحُقوقَ.بَعدَ أن نَالَ شُوقیُ إجازَهَ الحُقوقِ عَادَ إلَی وطنِهِ فَألحَقَ بالدِّیوانِ الخَدیویِّ حَیثُ ظَلَّ مَوضِعَ رَعایَهِ الخَدیویِّ عَبَّاس الثَّانی و نَشَأت بَینَ حَاکِمِ مِصرَ و الشَّاعِرِ عَلاقَهً وُدِّیَهً وَثیقَهً. فِی عَام 1915 م نُفِیَ الشَّاعِرُ إلی إسبانیا و مَکَثَ فِی مَنفَاهُ خَمسَ سَنَواتٍ و بَعدَ أن وَضَعَتِ الحَربُ أوزارَها، عادَ الشَّاعِرُ إلی وَطَنِهِ.و فِی نَیسانِ 1927 م فِی المَهرَجانِ الشِّعریِّ الَّذی عُقِدَ لِتَکرِیم أحمدَ شوقی، بایَعُوهُ بإمارَهِ الشِّعرِ العَرَبِّیِ. فَقَد عَارَضَ أمیرُ الشُّعراءِ «أحمد شوقی» طائِفَهً مِن فُحُولِ شُعراءِ العَرَب و مِنهُم البُوصیری فِی قَصیدَتِهِ الشَّهیرَهِ «البُردَهِ» الَّتی عَارَضَهُ شَوقیَّ بقصیدَهِ «نهجُ البُردَهِ» و جاراهُ مُستَلهِماً نَفسَ العناصُرِ الفِکریَّهِ الَّتی صَوَّرَها مِن حیثُ الغَزلِ الصُّوفِیِّ و بَیانِ حُبِّهِ لِلرَّسُولِ، ثُمَّ تَحذیرِهِ النَّفسَ مِن غُرورِ الدُّنیا. سبب إنشاد قصیده «نهج البرده»: إنَّ شَوقِیَّ کانَ حَریصاً عَلَی التَّقلید و الأخذ بمَا سَبَقَهُ إلیهِ المُتَقَدَّمُونَ خاصَّهً فِی الدِّینِ الَّذی عَارَضَ بهِ الشُّعراءَ السَّالِفُونَ أمثالَ مُحمَّد بن سعید البوصیری فِی «نَهج البرده» و «الهمزیَّه النبویَّه».کَما کانَ شَوقیُّ شَدیدُ الحِرصِ عَلَی اظهارِ تَدَیُّنِهِ و الدَّعوَهِ إلَی فَضائِل الدِّینِ ، مَعَ أنَّهُ لَم یَکُن دائِمَ العَمَلِ بفرائِضِهِ فِی حَیاتِهِ، فَهُوَ قَد هَرَبَ عِندَما أرادَ الخَدیویُّ اصطِحَابهِ إلَی الحَجِّ و لَکِن نَظَمَ بَعدَ ذلک قَصیدهَ «نهجَ البُردهَ» و فیها مِن الإعتِذارِ و التَّوبَهِ و الإستِغفارِ ما فِیها و قَدَّمَ هذه القصیدهَ بَینَ یَدی الخدیویِّ لِلإعتذارِ و طَلَب المُسامِحَهِ. الصُّور البلاغیه فی قصیده «نهج البرده»: فِی قَصیدهِ «نَهج البرده» نَجِد أنفُسَنا أمامَ شاعِرٍ بارِعِ اللُّغَهِ مِثلَ شَوقی الَّذی یُحاوِلُ النَّسجَ عَلی مِنوالِ قَصیدَهِ رَجُلِ دینٍ صَنَعَ قَصیدتَهُ صَناعَهً مِن أجلِ هَدَفٍ دینیٍّ هُوَ الإمام البوصیری و لِهذا نَرَی بأنَّ قصیدهَ شَوقیَّ عَلی نَفس وزنِ و قافِیهِ قَصیدهِ «بُرده» البوصیریِّ و الکلماتُ و المُفرداتُ المُستخدمَهِ فیها ذاتُ صِلَهِ باِلدِّینِ الإسلامِیِّ الحَنیفِ، لأنَّ البوصیریَّ کانَ یُحاوِلُ ألاّ یَخرُجَ أفکارَ قصیدَتَهُ مِن مَصادرِه الأساسیَّهِ و هِی القرآنُ الکریمُ و الأحادیثُ النبویَّهُ الشریفهُ و کذلک سیرتِهِ صَلَّی اللهِ علیهِ و سَلَّمَ و تابَعَهُ شَوقیُّ فِی ذلکَ و استَخدَمَ بعضُ المُصطلحاتِ و الألفاظِ القُرآنیهِ فِی قصیدَتِهِ و مِن أمثِلَتِها: عَلَّقتُ مِن مَدحِه ِحَبلاً اُعِزُّ بهِ فِی یَومِ لا عِزَّ بالأنسَاب و اللُّحَمِ فِی هذا البیتِ اشارَهٌ إلَی کلامِ اللهِ فِی سُورَهِ شُعراءَ:«یَومَ لا یَنفَعُ مالٌ و لا بَنُونَ إلّا مَن أتَی اللهَ بقَلبٍ سَلیمٍ» أنّ قصیدهَ «نهجُ البردهِ» مَلیئهٌ بالفُنونِ البلاغیَّهِ الجَمیلهِ و هِی تَشتَمِلُ جَمیعَ أنواعِ البلاغَهِ مِن المَعانیِ و البیانِ و البَدیعِ و کُلُّ هَذه تَجعَل القصیدهَ تَمتازُ بأحسَنَ المِیزَهِ الحَسَنَهِ و المَقبُولَهِ و مِن ناحیهِ البیانِ کانت هَذه القَصیدهُ مَلیئهٌ بالتَّشبیهِ و ما یَتَعَلَّقُ بهِ مِن أنواعِهِ الکثیرهِ و تُوجُدُ فِیها الإستعارهُ و الکنایهُ و غَیرُها مِن الأسالیب الَّتی تَمجُزُ فیِها العربُ و مِن أمثِلَهِ ذلک مُا ذُکِرَ فِی هِذه الأبیاتِ: البَدرُ دونکَ فِی حُسنٍ وَ فِی شَرَفٍ و البَحرُ دونک فِی خیرٍ و فِی کرمِ شَبَّهَ الشَّاعِرُ فِی هذا البَیتِ النَّبیَّ بالبدرِ فِی العُلُوِّ و الارتفاعِ و بالبَحرِ فِی الکَرَم و فِی جَلالَهِ القَدرِ. الاستعاره: وَ النَّفسُ مِن خیرِهَا فِی خیرِ عَافِیهٍ وَ النَّفسُ مِن شَرِّها فِی مَرتَعٍ وَخِمِ یُوضَحُ الشَّاعِرُ فِی هَذا البیتِ أنَّ النَّفسَ اذا مَا تَرکَت عَلَی هواها، فَانَّها تَغرِقُ فِی المُلذَّاتِ و اللَّهوِ و تَسقَطُ فِی الخَطیئَهِ و فِی الشَّطرِ الثَّانِی شَبَّه النَّفسَ بالبَهیمَهِ السَّائِمَهِ فِی الکَلأ تَشبیهاً مُضمِراً فِی النَّفس و طَوَی لفظَ المُشبَّهٌ بهِ و رَمَز الیه بشیءٍ مِن لَوازمِهِ و فِی هذا الکلامِ استعارهٌ بالکنایهِ و التَّخییلِ. و مِن جِهَهِ الصَّنایعِ البَدیعیَّهِ نَری بأنَّ نهجَ البُردَهِ قَد-اشتَمَلَ عَلی انواعِ البدیعِ کطباقٍ و الجناس و السَّجعِ.اضافهً عَلَی هذه الصَّنایِعِ الأدبیَّهِ هناکَ ضَربٌ آخَرٌ مِنَ البدیعِ کَثُرَ فِی النَّهجُ البُردَهِ و هُوَ التَّصدیرِ أو رَدُّ العَجز عَلَی الصَّدرِ و سَتُحاوِلُ الباحِثَهُ التَّرکیزَ عَلَی بعضِ هِذه الألوانِ لِلجِنس البدیعیِّ المُستخدمِ فِی نَهجُ البُردهِ: الجناس: سَناوهُ و سَناهُ الشَّمسُ طَالِعَهً فَالجِرمُ فِی فَلَکٍ و الضَّوءُ فِی عَلَمِ فِی هَذا البیتِ بیَن کلمهِ «سَناوه و سَناه» الجناسُ الناقصُ (المُطَرَّفُ) فانَّهُما مُختلِفانِ بزیادهِ «و» و نُقصَانِها. الطباق: کَم جَیئهٍ وَ ذَهابٍ شَرَّفَت بهما بَطحاءُ مکهَ فِی الإصباحِ و الغَسَمِ نُشاهِدُ فِی هذا البیتِ صَنعهَ الطِّباقِ بَینَ کلمات «جیئَه و ذهاب» و «اصبَاح و غَسَم»